لما اشتد البلاء على المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، أذن الرسولُ محمد لأصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة، فجعلوا يخرجون ويُخفون ذلك، فنزلوا على الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم،[47] وأقام النبي محمد بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة إلا من حُبس أو فُتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن النبي محمداً في الهجرة فيقول النبي له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً»، فيطمع أبو بكر أن يكونه.[48] ولما رأت قريش أن النبي محمداً قد صار له أصحاب من غيرهم بغير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً وأصابوا منهم مَنعة، فحذِروا خروج النبي محمد إليهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون فيما يصنعون في أمره، فاتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً ليعمدوا إليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه، فيتفرَّق دمُه في القبائل جميعها، ولكن النبي محمداً علم بأمرهم وتمكن من الخروج من بيته سالماً.[49]
كانت هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته،[50] وكان أبو بكر حين استأذن النبي في الهجرة فقال له: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً»، قد طمع بأن يكون النبيُّ إنما يعني نفسه، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في دار يعلفهما إعداداً لذلك، قالت السيدة عائشة:
«كان لا يخطئ رسولُ الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: «ما جاء رسولُ الله في هذه الساعة إلا لأمر حدث»، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله وليس عند رسول الله أحد إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله : «أخرج عني مَن عندك»، قال: «يا رسول الله إنما هما ابنتاي،[51] وما ذاك فداك أبي وأمي؟»، قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة»، فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله؟»، قال: «الصحبة»، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي.[50]»
غار ثور الذي مكث به النبي محمد وأبو بكر ثلاث ليال أثناء هجرتهما إلى المدينة.ثم قال أبو بكر: «يا نبي الله، إن هاتين راحلتين كنت أعددتهما لهذا»، فاستأجرا عبد الله بن أريقط الكناني، رجلاً من بني الدئل بن بكر من كنانة، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، ولم يعلم بخروج النبي أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وآل أبي بكر،[52] فلما أجمع النبي الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور، وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن النبي محمد وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه.[53]
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: ولما خرج رسول الله وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا.[54] وقالت أسماء بنت أبي بكر: «لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قلت: «كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً»، قالت: وأخذتُ أحجاراً فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: «يا أبت ضع يدك على هذا المال»، قالت: فوضع يده عليه فقال: «لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم»، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك».[54]
وبدأ المشركون باقتفاء أثر النبي، فلما بلغوا جبل ثور اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: «لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه»،[55] وعن أنس بن مالك أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي ونحن في الغار: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟»، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».[55][56]
قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [57]
— التوبة: 40
ومكث النبي وأبو بكر في الغار ثلاث ليال، ثم خرجا حتى وصلا المدينة المنورة، قال الإمام البخاري بسنده إلى ابن شهاب:
«فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسول الله ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناسُ رسولَ الله عند ذلك، فلبث رسول الله في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله ، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم عاد رسول الله الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، فطفق رسول الله ينقل معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول حين ينقل اللبن:
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول:
لا هم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجره
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي.[58][59]»
كانت هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة في يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة من بعثته،[50] وكان أبو بكر حين استأذن النبي في الهجرة فقال له: «لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً»، قد طمع بأن يكون النبيُّ إنما يعني نفسه، فابتاع راحلتين، فاحتبسهما في دار يعلفهما إعداداً لذلك، قالت السيدة عائشة:
«كان لا يخطئ رسولُ الله أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها، فلما رآه أبو بكر قال: «ما جاء رسولُ الله في هذه الساعة إلا لأمر حدث»، فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله وليس عند رسول الله أحد إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله : «أخرج عني مَن عندك»، قال: «يا رسول الله إنما هما ابنتاي،[51] وما ذاك فداك أبي وأمي؟»، قال: «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة»، فقال أبو بكر: «الصحبة يا رسول الله؟»، قال: «الصحبة»، قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكي.[50]»
غار ثور الذي مكث به النبي محمد وأبو بكر ثلاث ليال أثناء هجرتهما إلى المدينة.ثم قال أبو بكر: «يا نبي الله، إن هاتين راحلتين كنت أعددتهما لهذا»، فاستأجرا عبد الله بن أريقط الكناني، رجلاً من بني الدئل بن بكر من كنانة، وكان مشركاً يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما، ولم يعلم بخروج النبي أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر وآل أبي بكر،[52] فلما أجمع النبي الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته، ثم عمدا إلى غار بثور، وهو جبل بأسفل مكة فدخلاه، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، فكان عبد الله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم، يسمع ما يأتمرون به وما يقولون في شأن النبي محمد وأبي بكر، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر فاحتلبا وذبحا، فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفي عليه.[53]
وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: ولما خرج رسول الله وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشاً خبيثاً، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا.[54] وقالت أسماء بنت أبي بكر: «لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قلت: «كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً»، قالت: وأخذتُ أحجاراً فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: «يا أبت ضع يدك على هذا المال»، قالت: فوضع يده عليه فقال: «لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم»، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك».[54]
وبدأ المشركون باقتفاء أثر النبي، فلما بلغوا جبل ثور اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: «لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه»،[55] وعن أنس بن مالك أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي ونحن في الغار: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؟»، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟».[55][56]
قال الله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [57]
— التوبة: 40
ومكث النبي وأبو بكر في الغار ثلاث ليال، ثم خرجا حتى وصلا المدينة المنورة، قال الإمام البخاري بسنده إلى ابن شهاب:
«فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجاراً قافلين من الشام (إلى مكة)، فكسى الزبيرُ رسول الله وأبا بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صامتاً، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله يحيي أبا بكر، حتى أصابت الشمسُ رسول الله ، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناسُ رسولَ الله عند ذلك، فلبث رسول الله في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله ، ثم ركب راحلته وسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجد رسول الله بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله حين بركت به راحلته: «هذا إن شاء الله المنزل»، ثم عاد رسول الله الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى رسول الله أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً، فطفق رسول الله ينقل معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول حين ينقل اللبن:
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول:
لا هم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجره
فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يُسَمَّ لي.[58][59]»